بعيداً عن الإحصاءات الرسمية التي تؤكد تراجعاً كبيراً في الثروة السمكية على مستوى القطر ،وعن حصة الفرد السوري من السمك والتي لم تتجاوز الـ 800 غرام سنوياً ، وبعيداً عن إحداث الهيئة العامة للثروة السمكية التي يعول عليها الكثير في الحفاظ على هذه الثروة ، إلا أن الحديث عن أسماك الفرات ، وماتعانيه الجهات المعنية في عملها من أجل الحفاظ على ماتبقى منها فيه الكثير من المؤشرات الخطيرة التي لاتؤكد هذا التراجع فحسب ، بل انحساراً كبيراً في أعدادها ، وانقراضاً لبعض أنواعها ، وإذا كانت الجهات المعنية على مستوى القطر قد حددت الأشهر التي يحرم صيد السمك فيها سعياً منها للحفاظ على هذه الثروة فإن هذه الأشهر اعتبرت على الجهة النقيضة الموسم الأفضل للصيادين الذين لم ولن يبالوا بخطورة الوضع ، ومعايير الأزمة الحقيقية التي تمر بها هذه الثروة ، ومن غرابة الأمر أن غالبية الصيادين الذين توصلنا إليهم لم يسمعوا بعد بالمرسوم التشريعي رقم 30 الصادر بتاريخ 25/8/1964 القاضي بتحديد عدد الرخص و تحديد المناطق وأوقات الصيد ووسائله المصرح بها والذي حظر استخدام المتفجرات والسموم والحواجز والوسائل التي تحرمها قرارات وزير الزراعة ، إلا أن غالبيتهم أقرَّ بوجود عقوبات قضائية كثيرة ومتنوعة بحق المخالفين.
" الوطن " ومن خلال جولة موسعة قضتها بين طرفي المعادلة ( الصياد والثروة السمكية ) تبين لها أن معادلة خطرة تجمع بين الطرفين ، يؤكد فيها الأول حرصه الشديد على مصدر رزقه الوحيد ، ضارباً بعرض الحائط كل الإجراءات التي تقوم بها الجهة الثانية ، والأخيرة تؤكد حرصها على منع ظاهرة الصيد ضمن الوسائل المتاحة ، والتي لم تتناسب بعد مع خطورة المهمة .
الحادثة الأخيرة التي شهدتها دير الزور فيما يخص الثروة السمكية تمثلت بالاعتداء بالضرب على أحد عناصر دوريات الثروة السمكية من قبل أحد الصيادين الذين تمت مداهمتهم على سرير النهر ، وانتهت تلك الحادثة بفج رأس عنصر الحماية ،واتضح من خلال التصوير الطبي وجود كسر في جمجمته ، أدت به إلى تلقي العلاج ضمن وضع حرج ، وهذه الحادثة واحدة من حوادث كثيرة تتكرر بشكل أسبوعي تقريباً.
يقول عباس حيجي مدير الثروة السمكية في دير الزور : يبلغ عدد المراكز التابعة لدائرة الثروة السمكية بدءاً من حدود الرقة وانتهاءً بالبوكمال ستة فقط ، وإذا كان الكادر الذي يشغلها كافياً من حيث العدد ، إلا أن التعرض للخطر يلعب دور كبير في محدودية العمل ، مؤكداً أنه تعرض بذاته لأكثر من حادثة اعتداء بواسطة آلة حادة من قبل الصيادين المخالفين ، وبالتالي فإن الجهة المخالفة لاتتوانى في الضرب حال إحساسها بخطر المصادرة أو المخالفة ، وعلى الرغم من كثرة الضبوط التي نبرمها ، إلا أنها لم تؤت ثمارها فعلياً في الحفاظ على الثروة السمكية ، مستدلاً في كلامه على كميات الأسماك القانونية التي يتم بيعها في الأحوال العادية والتي تناقصت بشكل كبير ، وعملياً فإن الخطوات القادمة تبعث على نوع من التفاؤل لاسيما مع إحداث الهيئة العامة للثروة السمكية ، وإذا كانت الهيئة في بدايات عملها ، فإن مؤشرات حسن العمل كثيرة ، وربما ستتحسن في القريب العاجل ، مشيراً إلى الكادر الفعلي الذي تعول عليه الدائرة القيام بمهمة ملاحقة المخالفين هو كادر مؤقت بغالبيته ، ومع ذلك فإن عملهم يسير بشكل حسن رغم خطورته ، مذكراً مرة أخرى بالتحديات الوقحة التي يتبعها الصيادين ، ومشيراً إلى ضرورة تعاون الجهات الأمنية حصراً في مهمتهم ، وهذا التعاون جيد من قبل بعضها ، ومحدود من قبل الغالبية الأخرى ، وقد أكَّد أن فترة تحريم الصيد الممتدة من 15/3 إلى 31 / أيار هي فعلاً فترة نشاط للصيادين لأن السمك يبحث في هذه الفترة عن مساحات من الحصى القريبة من الشاطئ للإباضة وهذا القرب مع كسل أنثى الأسماك يشجع على الصيد بغض النظر عن الثروة ومؤشراتها الخطرة.
على الجانب الآخر كان حديث الصيادين يؤكد عدم تراجعهم عن عملية الصيد ، رغم اعترافهم بأن ( المهنة ) ليست كما يجب ، حيث أشار أحدهم إلى تراجع كميات الصيد إلى نسبة 80% عما كانت عليه ، معترفاً بأن صيد هذه الأيام يحظى بالكثير من الإناث ( البياضة ) مؤكداً أن السمك هو باب رزقه الوحيد ، وبالتالي لابد من الدفاع عن أدوات صيده ( دون أن يسميها ) ، وأشار في معرض حديثه عن بعض الأنواع التي يعدها منقرضة منها الكرب الفضي والحجري ،والسللور الأسود والكرسين الأصفر ومن النادر أن يتمكن من اصطياد فرخ رومي .
صياد آخر أشار إلى الفرق بين مقومات الجهة الحكومية ومقومات الصيادين ، فالأولى تتحرك ضمن إمكاناتها المحدودة ، وآلاتها الثابتة ، بينما يقوم الصياد بتطوير أدواته كلما اقتضى الأمر ، ولايتأخر في شراء الزوارق الحديثة ، والسموم الجديدة ، ومحركات الكهرباء الأكثر فاعلية والأقل ضجيجاً ، وأمام هذه الوسائل الجديدة يبدو العجز واضحاً من قبل مديرية الثروة السمكية ، بينما هو متجدد لدى الصيادين الذين نشروا أعيناً لهم على جسور المدينة لمعرفة ساعة واتجاه انطلاق دوريات المكافحة ، ومثل هذا التجنيد يكلفهم مايشبه الرواتب الثابتة التي لابد وأن تدفع على حساب أسماكنا الصغيرة وأنثيها ، حتى أن أحدهم قال ( طالما أن الموبايل موجود فالسمك موجود في البيوت )..!؟
أدوات الصيد المتبعة كثيرة ، والحديث هنا عن المخالفة منها فقط فاستخدام السموم هو الأقل كلفة ، والصعق الكهربائي الأكثر جدوى ، ولفافات الديناميت أكثرها سرعة ، وكل تلك الوسائل تقضي على كل أنواع السمك حيث يتم استخدامها ، وهي لاتفرق بين صغار السمك وكبارها ، وأنثاها أو ذكورها .
ويبدو أن عدد مزارع الأسماك قليل جداً في دير الزور ، والمحميات كذلك ، فالمحمية الأهم تمتد من جسر الجورة إلى حدود حي هرابش ، وهذه المحمية لم تقدم الكثير لأن مساحات الصيد أكثر انتشاراً ، وهي عملياً موجودة على فرع النهر الصغير الذي يخترق المدينة وبالتالي من الطبيعي ألا تشهد أعمال صيد عليها .
أخيراً فإن حالات الصيد الجائر خلقت حالة خلل بيئي امتد تأثيرها ليطال حوض الفرات بأكمله ، فبعض الاصبعيات السمكية التي تعيش على نبات الزل المؤذي انقرضت ما ساهم في عودة ظهور هذا النبات في مساحات كبيرة من المسطحات المائية ، وإذا كان البعض قد منَّى النفس في فترة ما أن يكون إنتاج المحافظة من السمك عال جداً وصلت إلى حدود الحلم بتشييد معامل لتعليب وتصدير الأسماك ، فإن واقع الحال ابتعد كثيراً عن تلك الأحلام الوردية ، وربما بات وضع الثروة السمكية يؤكد على ضرورة إصدار قانون الضابطة السمكية أسوة بالضابطة الحراجية ، إضافة إلى ضرورة تشديد العقوبات ضد المخالفين ، ولعله من الأجدى أن تصدر الجهات المعنية قانوناً بمنع الصيد لمدة أكثر من عامين ، وفي ذلك استرداد لأعداد الثروة المهددة ، وربما تتيح هذه الأعوام عودة بعض الأنواع التي إن لم تنقرض فهي في طريقها للانقراض .
http://www.azora-alfurat.com/ShowNews.php?id=3048
الاسم:عبد الكريم نعمان.
المدرسة:مدرسة الشهيد رفيق سكاف.
المدرس:الأستاذ بسام عمران.